فصل: تفسير الآيات (39- 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (28):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُرآناً عربيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [28].
{قُرآناً عربيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} أي: مستقيماً بريئاً من التناقض والاختلاف: {لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أي: العذاب، والخزي يوم الجزاء، بالاتقاء من الأفعال القبيحة، والأخلاق الرديئة، والاعتقادات الفاسدة. ومن أجل تلك الأمثال. ما مثل به ليتقي من أعظم المخوفات، وهو الشرك، بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (29):

القول في تأويل قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [29].
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً} أي: للمشرك والموحد رجلين مملوكين: {رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ} أي: سيئو الأخلاق، يتجاذبونه ويتعاورونه في مهماتهم المختلفة، لا يزال متحيراً متوزع القلب، لا يدري أيهم يُرضي بخدمته، وعلى أيهم يعتمد في حاجته: {وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ} أي: خلص ملكه له، لا يتجه إلى إلا جهته، ولا يسير إلا لخدمته، فهمّه واحد، وقلبه مجتمع: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} أي: صفةً وحالاً. أي: في حسن الحال وراحة البال؟ كلا. وهكذا حال من يثبت آلهة شتى، لا يزال متحيراً خائفاً لا يدري أيهم يعبد، وعلى ربوبية أيهم يعتمد. وحال من لم يعبد إلا إلهاً واحداً، فهمّه واحد، ومقصده واحد، ناعم البال، خافض العيش والحال. والقصد أن توحيد المعبود فيه توحيد الوجهة، ودرء الفرقة. كما قال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: 39] {الْحَمْدُ لِلَّهِ} قال أبو السعود: تقرير لما قبله من نفي الاستواء بطريق الاعتراض، وتنبيه للموحدين على أن ما لهم من المزية بتوفيق الله تعالى. وأنها نعمة جليلة موجبة عليهم أن يداوموا على حمده وعبادته. أو على أن بيانه تعالى بضرب المثل، أن لهم المثل الأعلى، وللمشركين مثل السوء. صنع جميل ولطف تام منه عز وجل، مستوجب لحمده وعبادته.

.تفسير الآية رقم (30):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [30].
{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} تمهيد لما يعقبه من الاختصام يوم القيامة. وقرئ: {مائت} و{مائتون}. وقيل: كانوا يتربصون برسول الله صلّى الله عليه وسلم موته. أي: إنكم جميعاً بصدد الموت.
وقوله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونٍَ} إضراب وانتقال من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور، إلى بيان أن أكثر الناس، وهم المشركون، لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره، فيبقون في ورطة الشرك والضلال، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (31):

القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [31].
{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ} أي: مالك أموركم: {تَخْتَصِمُونَ} أي: فتحتج أنت عليهم بأنك بلّغتهم ما أرسلت به من الأحكام والمواعظ التي من جملتها ما في تضاعيف هذه الآيات، واجتهدت في الدعوة إلى الحق حق الاجتهاد، وهم قد لجّوا في المكابرة والعناد.

.تفسير الآية رقم (32):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} [32].
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ} أي: افترى عليه بنسبة الشريك والولد: {وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ} أي: بالأمر الذي هو عين الحق: {إِذْ جَاءهُ} أي: حضر عنده دليله وبرهانه، فرفضه ورده على قائله، أي: لا أحد من المتخاصمين أظلم ممن حاله ذلك؛ لأنه أظلم من كل ظالم: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} أي: لهؤلاء الذين افتروا على الله سبحانه، وسارعوا إلى التكذيب بالحق.

.تفسير الآية رقم (33):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [33].
{وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} أي: جاء بدليل التوحيد، وآمن به فلم يعتد بشبهة تقابله، يعني النبي صلّى الله عليه وسلم، ومن تبعه: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} أي: الموصوفون بالتقوى التي هي أجل الرغائب. ولذا كان جزاؤهم أن يقيهم الله ما يكرهون، كما قال سبحانه:

.تفسير الآيات (34- 37):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ} [34- 37].
{لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ} أي: الذين أحسنوا أعمالهم وأصلحوها: {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} أي: نبيه صلّى الله عليه وسلم أن يعصمه من كل سوء، ويدفع عنه كل بلاء في مواطن الخوف: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ} يعني الأوثان التي عبدوها من دونه تعالى، وهذه تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلم عما قالت له قريش: إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا، ويصيبك مضرتها لعيبك إياها. كما قال قوم هود: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} [هود: 54].
{وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ} أي: من غفل عن كفايته تعالى، وعصمته له عليه الصلاة والسلام، وخوفه بما لا ينفع، ولا يضر أصلاً: {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ} أي: يصرفه عن مقصده، أو يصيبه بسوء يخل بسلوكه؛ إذ لا راد لفضله، ولا معقب لحكمه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ} أي: ينتقم من أعدائه لأوليائه.

.تفسير الآية رقم (38):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [38].
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} لما تقرر في الفِطَر والعقول من استيقان ذلك، ولوضوح الدليل عليه: {قُلْ} أي: تبكيتاً لهم: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} أي: نفعه وخيره، كلا، فإنها لا تضر ولا تنفع: {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} أي: في جميع أمورهم، لا على غيره، لعلمهم بأن كل ما سواه تحت قهره.

.تفسير الآيات (39- 40):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [39- 40].
{قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} أي: حالتكم التي أنتم عليها، من العداوة، ومناصبة الحق: {إِنِّي عَامِلٌ} أي: على مكانتي، فحذف للاختصار، والمبالغة في الوعيد، والإشعار بأن حاله لا تزال تزداد قوة، بنصر الله عز وجل وتأييده. ولذلك توعدهم بكونه منصوراً عليهم في الدارين، بقوله تعالى: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} أي: دائم، وقد أخزاهم الله يوم بدر: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: 127].

.تفسير الآية رقم (41):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} [41].
{إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ} أي: لأجلهم، ولأجل حاجتهم إليه، وافتقارهم إلى بيان مراشدهم: {فَمَنِ اهْتَدَى} أي: بدلائله: {فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} أي: لتجبرهم على الهدى؛ إذ ما عليك إلا البلاغ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94].

.تفسير الآية رقم (42):

القول في تأويل قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [42].
{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} أي: مفارقتها، بإبطال تصرفها فيها بالكلية: {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} أي: ويتوفى التي لم يحن موتها في منامها، بإبطال تصرفها بالحواس الظاهرة: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} أي: فلا يردها إلى بدنها إلى يوم القيامة: {وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي: وهو نوم آخر، أو موت: {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي: فيما ذكر من التوفي على الوجهين: {لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} أي: في كيفية تعلقها بالأبدان، وتوفيها عنها.

.تفسير الآيات (43- 45):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلَا يَعْقِلُونَ قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [43- 45].
{أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلَا يَعْقِلُونَ قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} أي: هو مالكها لا يستطيع أحد شفاعة ما، إلا أن يكون المشفوع له مرتضى، والشفيع مأذوناً له، وكلاهما مفقود ها هنا: {لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ} أي: دون آلهتهم: {اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ} أي: فرادى، أو مع ذكر الله تعالى: {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} أي: يفرحون بذلك؛ لفرط افتتانهم بها، ونسيانهم حق الله تعالى. ولقد بولغ في الأمرين حيث بيّن الغاية فيهما، فإن الاستبشار أن يمتلئ قلبه سروراً حتى تنبسط له بشرة وجهه، والاشمئزاز أن يمتلئ غماً حتى ينقبض أديم وجهه.

.تفسير الآية رقم (46):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [46].
{قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي: التجئ إلى الله بالدعاء بأسمائه الحسنى، وقل: أنت وحدك تقدر على الحكم بيني وبينهم. والمقصود بيان حالهم، ووعيدهم، وتسلية حبيبه الأكرم، وأن جدّه وسعيه معلوم مشكور عنده تعالى، وتعليم العباد الالتجاء إلى الله تعالى، والدعاء بأسمائه الحسنى، والاستعانة بالتضرع، والابتهال على دفع كيد العدو.

.تفسير الآيات (47- 48):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} [47- 48].
{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} أي: نزل بهم جزاؤه.

.تفسير الآيات (49- 50):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَاْن ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [49- 50].
{فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَاْن ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} أي: مني بوجوه الكسب والتحصيل: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} أي: ابتلاء له، أيشكر تلك النعمة، فيصرفها فيما خلقت له، فيسعد. أو يكفرها فيشقى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} أي: كما قال قارون: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78]: {فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أي: فما دفع عنهم ما كسبوه بذلك العلم من متاع الدنيا.

.تفسير الآيات (51- 52):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [51- 52].
{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: بأن الكل منه سبحانه، ومن آياته في ذلك- كما قال المهايمي- أنه تعالى قوي بذاته، له تقويه من يشاء، وتضعيف من يشاء. ومنها أنه فيّاض بذاته لا يتوقف فيضه على الشفعاء. ومنها أنه فاعل بذاته لا يتوقف فعله على سبب وواسطة.

.تفسير الآيات (53- 56):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [53- 56].
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ} أي: جنوا عليها بالإسراف في المعاصي والكفر: {لَا تَقْنَطُوا} قرئ بفتح النون وكسرها: {مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} أي: لا تيأسوا من مغفرته بفعل سبب يمحو أثر الإسراف: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} أي: لمن تاب وآمن، فإن الإسلام يجب ما قبله: {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} أي: توبوا إليه: {وَأَسْلِمُوا لَهُ} أي: استسلموا وانقادوا له، وذلك بعبادته وحده، وطاعته وحده، بفعل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه: {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ} أي: قصرت: {فِي جَنبِ اللَّهِ} أي: في جانب أمره ونهيه، إذ لم أتبع أحسن ما أنزل: {وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} أي: المستهزئين بمن يتبع الأحسن. و{أن تَقُولَ} مفعول له بتقدير مضاف، أي: فتداركوا كراهة أن تقول، أو تعليل لفعل يدل عليه ما قبله، أي: أنذركم وآمركم باتباع أحسن القول كراهة. وتفصيله في شروح الكشاف.